dimanche 26 septembre 2021

 

فتح الأندلس على ضوء الاكتشافات الجديدة في إسبانيا

د. يونس المرابط

باحث في الاستشراق الإسباني والدراسات الأندلسية

 

تجمع المصادر التاريخية سواء اللاتينية منها أو العربية على حدث فتح المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية، وتتفق كلها على سنة عبورهم من شمال إفريقيا إليها، والتي تحددها في سنة 711م الموافق لـسنة 92هـ. إلا أن الاكتشافات الجديدة في إسبانيا تثبت ما ذهب إليه بعض المؤرخين المسلمين من كون الإسلام قد وصل إلى الأراضي الإيبيرية قبل هذا الحدث، إلا أنه قد عبر من شرق البلاد لا من جنوبها.

في شهر يونيو سنة 2004، استطاع فريق من الباحثين الأركيولوجيين من اكتشاف عظيم في مدينة شاطبة التابعة لمقاطعة بلنسية، فبالإضافة إلى عثورهم على قطع تعود إلى العهد الروماني إبان القرن الأول الميلادي، تم العثور كذلك على مقبرة إسلامية تضم مئة وسبعين قبرا، وشاهِدُ إحداها في حالة جيدة، عرضه سبعين سنتيمترا وطوله أربعون سنتيمترا وخمسة عشر في السُّمْك، يقارب وزنه الستين كيلوغراما، مكتوب عليه بلغة عربية فصيحة، بخط كوفي، يشير إلى اسم المتوفى وسنة وفاته، فضلا عن افتتاحه بآيات من القرآن الكريم، كما يلي:

[1] بسم الله الرحمن الرحيم يايها الناس ان وعد /
[2] 
الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا و لا يغر /
[3] 
نكم بالله الغرور هذا قبر احمد بن فهر /
[4] 
ي رحمه الله كان يشهد ان لا اله الا /
[5] 
الله وحده لا شريك لاه وان محمدا عبده /
[6] 
ورسوله ارسله بالهدا ودين الحق ليظهره /
[7] 
على الدين كله ولو كره المشركون يوم /
[8] 
وعشرين من جمادا الاولا من سنة سبعة و عشرين /

 


ففي الشاهد آيات قرآنية صحيحة، وذكر صاحب القبر أحمد بن فهري الذي كان مسلما يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبد ورسوله، وتاريخ الوفات 20 من شهر جمادى الأولى سنة 27ه، وهو التاريخ الذي يوافق 21 فبراير 648م. وهذا بالضبط ما ذهب إليه ابن عذاري المراكشي في البيان المغرب، حيث يورد في ذكره لدخول المسلمين إلى الأندلس أربعة أقوال أحدها:  "أن الأندلس، أول من دخلها عبد الله بن نافع بن عبد القيس، وعبد الله بن الحُصين الفِهْريان من جهة البحر، في زمن عثمان رضي الله عنه، قال الطبري: أتَوْها في برّها وبحرها، ففتحها الله تعالى على المسلمين هي وإفْرَنجة، وازداد في سلطان المسلمين مثل إفريقية؛ ولم يزل أمر الأندلس لإفريقية، حتى كان زمن هشام بن عبد الملك؛ فمنع البربر أرضهم، وبقى من في الأندلس على حالهم. هذا نصه. وإن ذلك كان سنة 27 من الهجرة الكريمة"[1].

إن هذا يوضح بما لا يدع مجالا للشك بعد اكتشاف هذا الشاهد المادي أن الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية قديم وسابق لحدث العبور سنة 711م. كما أن مثل هذا الاكتشاف لمن شأنه أن يزودنا بالمعلومات عن تلك الحقبة التي عاش فيها المسلمون على الأرض الإيبيرية، والمتعلقة بمختلف مناحي حياتهم عليها، اجتماعيا، لغويا وثقافيا، علاقاتهم مع غيرهم...إلخ

فهل يعاد النظر في هذا الحدث التاريخي البارز الذي تتجاذبه الأوساط العلمية الأكاديمية ما بين منكر ومثبت له؟ وبالتالي تعاد معه عملية كتابة التاريخ على ضوء ما يستجد في الموضوع من اكتشافات وما يتبعها من تحليلات ونظريات. ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهل.



[1] ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة: ج.س كولان و إ. ليفي بروفنسال، (بيروت-لبنان، دار الكتب العلمية، ج2، ط1، 2009)، ص 4.